حين تصبح الأخبار سمًا خفيفًا: لماذا نتابع ما يؤذينا
ليش نهتم بالأخبار؟ حكاية الفضول البشري من الحارة لآخر الدنيا
تدري يا صاحبي، فيه شي دايم نستغربه… إنك تلاقي نفسك فجأة مشغول بخبر صار بعيد عنك، في بلد ما قد زرتها، بين ناس ما قد قابلتهم. بس قلبك يتحرك، وعقلك يصير مشغول. ليش؟ ليه نهتم؟ وش في الأخبار تخلينا نوقف الطبخ، نطالع الجوال، نرسل الرسالة: "سمعت وش صار؟".
من وأنا صغير، كنت ألاحظ شي عند أمي الله يحفظها. أول ما تبدأ تقرأ الجريدة، تبدأ تتنفس كأنها داخل معركة. تعيش الحدث بكامله. تقول لي: "شوف ذا الولد، الله يرحمه، عمره مثل أخوك!"، أو "الحمد لله اللي عافانا". كانت الأخبار بالنسبه لها مو بس سطور، كانت مشاعر وقصص. وبعد ما كبرت، صرت أنا مثلها، ويمكن أكثر.
أذكر موقف، ما أنساه. كنا في رمضان، وكنت أجهز السفرة، وسمعت خبر عن حادث صار في مكة، الله يرحمهم. ما كنت أعرف أحد في الحادث، بس والله قلبي صار ثقيل. تركت كل شي، وجلست أقرأ التفاصيل. حسيت كأني موجود هناك، مع الناس، أسمع صراخهم، أشم ريحة المكان. تخيلت لو أحد من قرايبي معهم… يمكن هذي طبع فينا؟ الفضول؟ التعاطف؟ أو يمكن خوف من المجهول.
ترى الأخبار مو بس "وش صار؟"، هي تساؤل داخلي: "وش ممكن يصير لي؟"، "وش اللي حولي قاعد يتغير؟". البشر من فطرتهم يحبون يعرفون، يتطمنون، يستعدون. وكل خبر نسمعه هو مرآة صغيرة نطالع فيها عالمنا — حتى لو هو ما لمسنا بشكل مباشر.
واحد من قرايبي، من أهل الجنوب، يقول لي: "أنا الأخبار أتابعها من أيام الراديو. ما كان فيه صور، بس الخيال يكمل المشهد. يوم أسمع عن حريق في بيروت، كأني أشوفه بعيني." — شفت كيف؟ حتى بدون تقنيات، فيه علاقة إنسانية قديمة بين الإنسان والخبر.
الموضوع مو بس تعاطف ولا خوف، لا والله. بعض الأخبار تحفز فينا الأمل. مثل يوم قريت عن طالب من مدينة بسيطة فاز بجائزة عالمية، حسيت إن الدنيا فيها خير، وإن النجاح ما له جنسية. بعض القصص تذكرك إنك تقدر تغيّر، إنك ممكن تكون أنت الخبر الحلو اللي بكرا الناس تتداوله.
وفي مره، جاتني رسالة من صديقة قديمة، تسألني: "شفت قصة الأم اللي باعت ذهبها تعالج ولدها؟". أرسلت لي رابط الخبر، وجلست أقرأ وأنا أدمع. تخيل، إنسانه في آخر الدنيا، بس إحساسها وصل لي من شاشة صغيرة. هذا هو سحر الأخبار: تنقل شعور، تربط ناس، تبني إنسانية جماعية.
حتى في مجتمعنا، بين الجيران، الأخبار كانت وما زالت طريقة تواصل. يوم يسير شي في الحارة، الكل يعرف. بعضهم يزيد، بعضهم ينقص، بس الهدف مو الفضول الخالي، الهدف إنك تتابع حال الناس، تواسي، تساعد، أو تحذر. يعني من زمان والناس تقول "وش صار؟"، بس بأساليب مختلفة. أول كانت الجلسات والسوالف، الحين الإشعارات والفيديوهات.
يمكن من أقوى القصص اللي صارت لي، كان يوم صار انفجار بعيد في مدينة ثانية، وكان أخوي وقتها رايح دوام عمل هناك. ما رد على جواله، وأنا شفت الخبر أول ما انتشر. قلبي وقف. حسيت إني مشلول. جلست أحدث الصفحة، أدخل على الأخبار كل شوي، أقرأ تعليقات الناس، أشوف الصور. بعدها الحمد لله طمني برسالة بسيطة: "أنا بخير". من وقتها، عرفت إن الأخبار أحيانًا مو بس محتوى، هي حياة معلقة بين سطر وسطر.
عشان كذا أقول، الإنسان بطبعه مرتبط بالأخبار، لأنها تعكس له هويته، ومخاوفه، وآماله. تقدر تقول الأخبار مراية المجتمع، مراية الشعور العام. ولما تقرا خبر، أنت ما تقرا حدث، أنت تقرا حياة أحد، قصة أحد، موقف يمكن غيّر مجرى عمره.
ومو لازم كل خبر يكون حزين عشان يلمسنا. بعض الأخبار عادية جدًا، بس تعني لنا الكثير. زي لما أعلنوا عن تطوير مستشفى جديد في الطائف. فرحت، مو بس لأننا نحتاجه، لكن حسيت إن أهلي وناسي بينتفعون، حسيت إن فيه اهتمام، إن فيه تطور.
نختم الجزء هذا بسؤال بسيط: هل فعلاً إحنا نهتم بالأخبار؟ ولا صرنا نتابعها لأننا نمل؟ الجواب من قلبي: إحنا نهتم، لأن كلنا نبحث عن رابط. رابط بيننا وبين العالم، بيننا وبين نفسنا.
صوره واقعية و معبره
هذه الصورة تعبّر بواقعية شديدة عن التوتر الخفي اللي تسببه الأخبار في حياتنا اليومية. نلاحظ رجل في منتصف العمر، ملامحه مليانة تفكير وقلق، جالس على طاولة عليها صحيفة، لابتوب، وجوال. هذا المشهد يمثل اللحظة اللي كثير منّا يمر فيها: نحاول نفهم العالم من حولنا، لكن نحس بثقل كل خبر وكل عنوان.طريقة جلوسه، وضعية يده على جبهته، والعتمة الخفيفة في الإضاءة، كلها تفاصيل تعكس فكرة إن الإنسان صار غارق في الأخبار لدرجة الإنهاك. اللابتوب والصحيفة والجوّال ترمز لتعدد مصادر الأخبار، بينما وجه الرجل يرمز للتشتت اللي تسببه.
المشهد صامت، لكنه يحكي كثير. هذه الصورة تلخّص مضمون المقال: كيف تستهلكنا الأخبار إذا ما كان عندنا وعي أو توازن.
ليه الأخبار تهمنا؟ حتى لو ما تخصنا!
مرّة وأنا جالس في الحوش بعد العصر، مع كوب قهوة وطقطقة جوال، جاتني إشعار من تطبيق أخبار: "حادث مروع في الطريق العام…". أنا ما أعرف الناس اللي فيه، ولا هو بطريقي اليومي، بس سبحان الله، قلبي تلبّك. دخلت أقرأ التفاصيل، وأرسلته لأختي وقلت: "انتبهي لا تمرين من هناك." ليش؟ لأن الأخبار، مهما كانت بعيدة، نحس إنها قريبة.
أذكر موقف لصديقي ناصر، كان في الدوام وسمع خبر انهيار مبنى في جدة. طلع من مكتبه كأنه واحد من أهله تحت الأنقاض. ليه؟ لأننا ناس، وقلوبنا مربوطة ببعض، نعيش من خلال أخبار بعض. الخبر أحيانًا يعيد ترتيب مشاعرك، يوقف يومك، يذكّرك إن الحياة مو كلها تحت سيطرتك.
في الطائف، دايم نسمع سوالف المجالس: "صار كذا في السوق"، "شفت وش قالوا في الأخبار؟"، "المطر جاي من جهة الجنوب". ما فيه بيت إلا والأخبار تدخله، بس مو دايم من نشرات ولا تطبيقات. أحيانًا هي من سوالف الجيران، من اتصال جدتي بصوتها الدافي تقول: "سمعتِ يا بنتي عن اللي صار؟".
الأخبار مو دايم عن السياسة ولا الكوارث. لا. مرات، تكون عن أشياء تبعث فيك أمل. مثل خبر عن طالبة سعودية تفوقت، أو عن عجوز فتح محل صغير وعاش فيه حلمه. حتى لو بسيطة، تلامس شي بداخلك.
بنت خالتي مريم، تتابع أخبار الحيوانات الضالة في الأحياء. تقول: "ما أدري ليه، بس أحسهم مهمّين، وأتضايق إذا صار لهم شي". وهذا اللي أقوله: مو كل خبر لازم يكون كبير عشان يأثر فينا. إحنا نهتم لأننا نعيش بالإحساس، مو بالأرقام.
وأنا من الناس اللي يتأثرون من الأخبار اللي عن الناس البسطاء. مرة شفت خبر عن عامل نظافة طاح عليه حائط. والناس جمعوا له تبرعات بعد ما نشروا قصته. قعدت ساعة أقرا التعليقات، وأحس كل كلمة فيها رحمة. هذا الخبر الصغير حرّك ناس، خلّى قلوب تشتغل.
يعني باختصار، إحنا نتابع الأخبار مو علشان نكون مثقفين، أو نعرف وش يصير فقط، بل لأننا نبغى نحس إننا متصلين. نطمن، نتفاعل، نفرح، أو حتى نحزن… بس نحس.
وإذا سألتني: "وش أقرب خبر لقلبك؟" بقولك: كل خبر عن ناس يشبهونا، عن أم، عن أب، عن حلم بسيط تحقق، أو وجع مفاجئ… لأننا في النهاية، كلنا خبر ينتظر يُقال.
لما يصير الخبر عنّا: وش تغيّر فينا؟
ما راح أنسى ذيك الليلة، كنا في عزّ نومنا، وفجأة جاتنا رسالة في القروب: "انفجار بسيط قريب من الصناعية". أول ردة فعل؟ قمت من السرير، طلعت أشوف السما، دقيت على ولد عمي، هو يشتغل هناك. ما رد، وجلست أدور أخبار، من تويتر، من المواقع، من السنابات… سبحان الله، لما يكون الحدث حولك، فجأة تصير الأخبار مو ترفيه، تصير ضرورة.
الإنسان بطبعه يهمه اللي يخصه، بس بعد فترة، يصير عنده إحساس إن كل خبر في الدنيا ممكن يوصله بطريقة أو بأخرى. يعني لما تسمع عن فيضان في بلد ثاني، تتخيل: "وش لو كنت هناك؟"، أو تتذكّر ناس تعرفهم راحوا هناك سياحة. الخبر يربطك بشعور مو شرط له علاقة بالمكان، لكن له علاقة بالإنسان.
بنت خالتي شهد، تقول لي مرّة: "أنا ما أحب الأخبار، تضايقني، بس ما أقدر أتركها". تتابع، وتحس، وتبكي أحيانًا، بس ترجع وتقول: "ما أبي أكون جاهلة عن العالم". وهذا جانب كثير ناس ما يتكلمون عنه: الأخبار، حتى الحزينة، تعلّمك، تفتح عيونك، وتخليك تحمد الله على حالك.
أحد أقربائي، يشتغل في مستشفى، قال لي يوم: "أكثر اللحظات اللي ما أنساها، لما يجينا مريض من حادث كبير كنت شفت خبره في الجوال قبل ساعات". يقول لي: "كأني دخلت في الحدث وأنا مو موجود هناك. وصار شغلي فجأة له طعم مختلف". الأخبار تغيّر نظرتنا للأشياء، تخلي تعاملنا مع الحياة أعمق.
في الطائف، نحب نتابع أخبار الأمطار، الكل ينزل صور، ويسوي بث، ويشارك تفاصيل المطر كأنه عيد. وبعضهم يروح يطمن على المزارع، والطرق، ويحذر من السيول. الخبر هنا ما هو مجرد معلومه، لا… الخبر صار تواصل، صار عناية، صار اهتمام بالناس والأرض.
والجميل إن الناس صارت جزء من صناعة الخبر. مثل خالي سالم، شاف حادث على الطريق، صوره، وبلغ الدفاع المدني، وبعدها نشره عشان الناس تنتبه. الحين، أي شخص ممكن ينقل معلومة، يوصل إحساس، يصير هو مصدر الخبر.
أنا عن نفسي، كثير مرّات أشوف أخبار بسيطة، بس تغيّر فيني شي. زي مرة شفت خبر عن عائلة تبرعت بأعضاء ابنهم بعد ما توفى في حادث. جلست ساعة أفكر في عظمة القرار، وفي أثره على الناس اللي بيعيشون بفضلهم. ما كنت أعرفهم، بس دمعت عيوني.
وهذا هو الشي اللي أحسّه لما أتابع الأخبار: كل قصة، كل خبر، فيه لمسة إنسان. حتى لو كان شخص من بلد ثاني، من ثقافة غير، يظل فيه خيط مشترك يوصلني فيه… ممكن الخوف، أو الأمل، أو الألم… بس أكيد شي يربطنا كلنا.
في النهاية، لما يكون الخبر عنك أو قريب منك، تكتشف إنك صرت بطل القصة، مو بس قارئها. وتحس بقيمة كل لحظة، وكل شخص حولك. ولهذا السبب، تبقى الأخبار مهمّة… مو علشان نعرف وش صار بس، لكن علشان نعرف إحنا وين في هالعالم، وش اللي ممكن يصير لنا، أو يصير منّا.
مو كل خبر لازم يصدّق… تعال نرتّب علاقتنا مع الأخبار
خلني أقول لك الصراحة: اليوم ما صار الموضوع بس متابعة أخبار، صار فرز، وتحليل، وتفكير. كمية الأخبار اللي توصلنا كل يوم مو طبيعية، من إشعارات الجوال، لسنابات الناس، للواتساب، ومرورًا بتطبيقات الصحف… ومع كثرة المصادر، صار واجب علينا نسأل: وش الصح؟ وش الغلط؟ وش اللي يستاهل؟ وش اللي مجرد ضجيج؟
يعني مثلاً، قبل كم يوم شفت خبر عن “إغلاق مستشفى كبير في جدة”. الناس بدأت تعيد وتنشر، وعيوني على التعليقات، الكل خايف. بس لما دخلت على موقع الجهة الرسمية، طلع إن الخبر جزئي، وفيه توضيحات كثيرة. لاحظت إن كثير مننا يتفاعل قبل لا يتحقق. وهذي أكبر مشكلتنا مع الأخبار اليوم: التسرّع.
الأخبار، إذا ما كانت دقيقة، تخلق ردة فعل خاطئة. تتخيل إنك تتخذ قرار مهم في حياتك بناء على إشاعة؟ أذكر ولد خالتي، ترك عرض وظيفي ممتاز لأنه قرأ خبر غير مؤكد عن مشاكل في الشركة. بعد شهر، اكتشف إنها كانت فرصة العمر، بس طارت.
لذلك، إذا بنبغى نستفيد من الأخبار، لازم نعرف كيف نتعامل معها. أول خطوة؟ **تتحقق من المصدر**. مو كل حساب في تويتر موثوق، ولا كل صورة تعني اللي ظاهر فيها. بعض الأخبار اليوم مصممة عشان تثيرك، تجيب لك تفاعل… مو عشان تنفعك.
ثاني نقطة مهمة: اسأل نفسك، هذا الخبر وش يضيف لي؟ في أخبار فعلاً تفتح لك وعي جديد، تخليك تتفكّر، أو حتى تحس بالنعمة اللي انت فيها. بس في أخبار ما وراها إلا قلق، وتخويف، وتشويش على يومك.
صح، الواحد لازم يكون مطّلع، بس مو لازم “يبلع” كل شيء. لو تركّز شوي، تلاحظ إن فيه فرق بين إنك “تعرف” وبين إنك “تنفعل”. وصدقني، كثرة الانفعال من الأخبار يخلي الواحد مضغوط طول اليوم بدون سبب واضح.
ومن أفضل العادات اللي ممكن تبدأها اليوم: خصص وقت للأخبار، لا تخليها تقاطعك كل ساعة. مثلاً، الصباح أو بعد المغرب، تقرأ من مصادر معروفة، وتركّز على المفيد. مو لازم تتابع ٢٤ ساعة، ولا تشيل هم كل شي يصير في العالم.
وأنا شفت هالفرق في ناس حولي. وحدة من قريباتي، كانت تمشي ورا كل إشاعة، وتخاف من كل شيء تسمعه. بس بعد فترة بدأت تنظم علاقتها مع الأخبار، ما عاد تتابع إلا مصادر محددة، ووقتها صار تفكيرها أوضح، وراحتها النفسية زادت.
ولأن الأخبار صارت جزء من روتيننا اليومي، لازم نتعلّم كيف نعيش معاها بشكل صحي. ما نرفضها، ولا نغرق فيها. ننتقيها، ونفكّر فيها، ونفهم أثرها على قراراتنا ونفسياتنا.
في النهاية، تذكّر: أنت صاحب القرار. إذا سمحت لكل خبر يدخل عقلك بدون إذنك، راح يتعبك. بس إذا صرت واعي، راح تستفيد، وتعيش يومك برضا واطلاع… من غير قلق زايد.
لما تصير الأخبار عادة يومية… وش ينعكس علينا؟
أغلبنا ما يبدأ يومه إلا وهو فاتح الجوال: إشعارات، أخبار، صور، مقاطع، كل شي يتدفق فجأة. بس خليني أسألك: هل هالعاده فعلاً تفيدك؟ ولا بس صارت شي تلقائي، تسويه من غير ما تنتبه لأثره عليك؟
خلّك صريح مع نفسك. كم مرة قرأت خبر أول الصباح وقلب يومك كله؟ تذكّر ذيك الأخبار اللي تبدأ بـ "عاجل" وتنتهي بتوتر! وللأسف، كثير منها ما يهمك بشكل مباشر، بس مع كذا يأثر على مودك، وعلى تفاعلك مع الناس، وحتى على قراراتك.
أختي الصغيرة كانت تتابع الأخبار كل يوم، وتقرأ تفاصيل عن مواضيع حساسة زي الحوادث والمشاكل اللي تصير في العالم. مع الوقت، لاحظت إنها صارت تخاف تطلع لوحدها، وصار عندها وسواس من أشياء ما كانت موجودة قبل. لما بدأنا ننتبه، قللنا المتابعة، وصرنا نفلتر وش تقرأ. والفرق كان واضح: نفسيتها تغيّرت للأفضل.
مو كل خبر لازم يدخل بيتك… ولا كل تفاصيل لازم تعرفها. مو لأنك تتجاهل، لا، بس لأن فيه نوع من الحماية الذهنية لازم توفّرها لنفسك. العقل يتأثر، حتى لو ما علّقت أو ما تكلمت. الصور، العناوين، النبرة… كل شي يترك أثر.
في الطائف، تعرفنا على أناس كبار في العمر، عايشين حياة بسيطة، ما يدخلون في تفاصيل الأخبار الكثيرة. ومع كذا، عندهم وعي، وراحة بال، وتركيز على المحيط القريب منهم. هذي المفارقة اللي صرنا نلاحظها: أحيانًا قلة الأخبار تعني كثرة الطمأنينة.
طبعًا ما أقول إنك تعيش في عزلة، لا. بس لازم تفرّق بين المتابعة الواعية، وبين الإدمان. المتابعة الواعية معناها إنك تختار الوقت، المصدر، والكمّية. أما الإدمان؟ يخليك تاخذ كل شي، بأي وقت، ويعكر عليك تركيزك وحتى نومك.
خليني أشاركك موقف بسيط: يوم من الأيام، قررت أوقف متابعة الأخبار يوم كامل، بس أجرب. أول ٣ ساعات كنت أحس بالفراغ، بعدين فجأة حسّيت إني مركز أكثر، سمعت صوت أهلي، ركزت في شغلي، حتى قرأت كتاب. نهاية اليوم، اكتشفت إني ما فاتني شي كبير، وكل شي لقيته متلخص في نشرة قصيرة وقت المساء.
ولهذا السبب، أقول دايم: الأخبار لازم تشتغل عندك مثل الفلتر، مو مثل السيل. خذ اللي ينفعك، واترك اللي يضرّك. خذ المفيد، واترك المكرر. خذ الحقيقي، واترك المبالغ فيه.
تقدر تبني لنفسك عادة متابعة أخبار مفيدة، من مصادر ثابتة، وفي وقت معين من يومك. بهالطريقة، تتابع وانت مرتاح، وتاخذ معلومات وانت واعي، وما تخلي الخبر يملك مزاجك ولا يومك.
وتذكّر، الهدف من الأخبار إنك "تفهم العالم"، مو إنك "تخاف منه". إذا وصلت لهالمرحلة، تعرف إنك ماسك زمام الأمور، وإنك صرت المتابع الذكي… مو المتلقي العشوائي.
لما تصير الأخبار سبب خلافات في البيت!
يمكن ما يخطر على بالك، بس كثير من التوترات اللي تصير في مجالسنا، في قروبات العائلة، أو حتى بين الأزواج… بدايتها خبر، أو نقاش عن خبر، أو حتى اختلاف في مصدر معلومة. الأخبار ما صارت بس شيء نتابعه، صارت تدخل بيوتنا وتشكّل علاقتنا مع بعض بدون ما نحس.
أذكر موقف صار عند خويي في الاستراحة، قال لي: “أنا وأبوي ما عد نقدر نجلس على طاولة وحدة إلا ويتحول الكلام نقاش عن الأخبار، كل واحد له وجهة نظر، واللي ما يوافق الثاني يعتبره جاهل!” واللي صار إنه صار بينهم فتور، بسبب موضوع كان في الأصل مجرد تحليل خبر بسيط ما يخصّهم شخصيًا.
هذا للأسف واقع نعيشه كثير. بعض الأخبار، خاصة اللي تنطرح بصيغة مثيرة أو جدلية، تخلق استقطاب حتى داخل العيلة. يصير الواحد يحكم على الثاني من تعليق، أو من وجهة نظر عابرة. وتبدأ العلاقة تتهز، مو عشان شي جوهري، بس عشان رأي عن شيء ما نملكه ولا نتحكم فيه.
فيه عائلة قريبة لنا بالطائف، كانوا دايم مجتمعين، قروبهم ما يسكت. بعد فترة، صار كل أحد ينقل أخبار من قناة أو مصدر، وكل واحد ورايه. وتحول القروب من سوالف وضحك إلى خلافات، وجفوة، وحتى سحبوا بعض من القروب. تقول ليه؟ لأنهم ما عرفوا يفصلوا بين الرأي الشخصي والعلاقة الإنسانية.
لذلك مهم جدًا ننتبه: **مو كل نقاش إخباري يستحق الجدال.** ومهما كان اختلافك، لا تخلي خبر يأثر على علاقتك بأقرب الناس. رأيك لا يساوي محبتك، وتحليلك لا يلغي تقديرك للثاني.
نصيحتي؟ لما تشوف إن الموضوع بدأ ياخذ منحى شخصي، اسحب نفسك برقي. قول "خل نغير الموضوع"، أو "يمكن وجهة نظري خاطئة". التواضع في النقاش الإخباري علامة نضج، مو ضعف.
وحتى في العلاقات الزوجية، لاحظنا إن متابعة الأخبار الزايدة ممكن تسبب فجوة. الزوج مشغول بالأخبار الاقتصادية، والزوجة تتابع أخبار اجتماعية. يصير كل واحد عايش في عالم مختلف، ما عاد بينهم حديث مشترك. وهنا يجي دور التوازن: اجعل من الأخبار مدخل للحوار، مو حاجز.
جرب مره إنك تجيب خبر، وتناقشه بطريقة "وش رايك؟"، مو "انت غلطان". بتشوف كيف يتحول النقاش من صدام إلى حوار، ومن جدل إلى فهم. الأخبار من أدواتنا كبشر، لازم نخليها تخدمنا… مو تعكر صفونا.
واللي لازم ننتبه له بعد: الأطفال والمراهقين. لما يسمعون خلافات عن أخبار، أو يشوفون شد بين الكبار، يتأثرون أكثر مما نظن. علمهم من البداية إن فيه فرق بين "نقاش" و"خلاف"، وإن الأخبار مو دايم تكون صحيحة، ولا دايم تستاهل الانفعال.
في النهاية، علاقتك بأهلك، وأصحابك، وزوجتك… أهم من أي رأي، وأقوى من أي عنوان. والأخبار تيجي وتروح، بس الكلمة تبقى، والذكرى تدوم. خلك أكبر من كل خلاف يخلقه خبر… وخلك واعي إن العلاقات ما تُبنى على الموافقة، لكنها تنهدم أحيانًا بسبب عناد في رأي عابر.
كيف تبني علاقة “صحية” مع الأخبار… وتكون حاضر بدون ما تتعب؟
خليني أقولها بصراحة: الأخبار اليوم صارت مثل الأكل. فيها المفيد، وفيها اللي يضرك، وفيها اللي يعطيك طاقة، وفيها اللي يخليك ثقيل وقلقان طول اليوم. فعشان تتابع بذكاء، لازم تعرف متى، وش، ومن وين.
أول خطوة؟ حدد وقت المتابعة. لا تخلّي الأخبار تدخل في أي لحظة من يومك. فيه ناس يتابعون أول ما يصحون، وفيه من يتابع قبل النوم، والنتيجة؟ توتر بدون ما يحسون. اختر وقتك، مثلاً بعد الفطور أو قبل الغروب، وخلّها عادة ثابتة.
ثاني خطوة: قلّل عدد المصادر. مو لازم تتابع ١٠٠ حساب، و٢٠ تطبيق، و٥٠ قناة. بالعكس، كل ما قللت، كل ما ركّزت. خذ لك مصدرين إلى ثلاثة، تكون رسمية، أو إعلاميين تثق فيهم، وكفّ عن الباقي.
ثالث نقطة، وهي أهم وحدة: اسأل نفسك بعد كل خبر: "وش أستفيد؟" إذا كان الجواب "بس زعلت أو خفت"، هنا توقف وراجع أسلوبك. الأخبار المفيدة هي اللي تضيف لك معرفة، أو توضح لك واقع، أو تخليك تاخذ خطوة جديدة في حياتك.
خليني أشاركك قصة بسيطة: كنت أتابع أخبار السوق بشكل يومي، وكل يوم أقرأ تقارير اقتصادية ما أفهم منها إلا شوية. بس كنت أحس إني “لازم” أعرف. بعد فترة، صرت مشتت، وكل شوي أغير قراراتي في شغلي. بعدين سويت حركة: سحبت على الكل، واخترت مصدر واحد، أقرأه في نهاية الأسبوع. النتيجة؟ وضوح أكثر، توتر أقل، وتركيزي صار أفضل بكثير.
نقطة مهمة بعد: لا تتعامل مع كل خبر كأنه نهاية العالم. بعض الأخبار تُطرح بطريقة درامية، فيها تهويل وتحفيز للعاطفة. لما تتأمل شوي، تكتشف إنها ما كانت تستاهل، أو إنها مؤقتة. تعلم إنك تفرّق بين الحدث الحقيقي، وبين الطريقة اللي تم تقديمه بها.
نصيحة ذهبية؟ تابع الأخبار “نص ساعة” باليوم، وركّز على حياتك أكثر. لا تخلي الأحداث الخارجية تشوش عليك علاقاتك، شغلك، نفسك. الأخبار موجودة دايم، بس وقتك مو دايم.
وبعض الناس يحتاج يسوي تنظيف رقمي بين فترة وفترة. يعني تحذف بعض القنوات أو التطبيقات اللي ما تعطيك غير توتر، أو اللي كل أخبارها نفس الطابع السلبي. هذا الشي يحمي مزاجك، ويحمي تركيزك.
في الطائف، قابلت شايب بسيط، سألته: “تتابع الأخبار؟” قال لي: “أشوف وش يفيدني، والباقي أخليه لأهل التفاعل.” ضحكت وقتها، بس لما فكرت، فهمت إن الحكمة أحيانًا في التجاهل الذكي.
الأخبار مهمة، بس طريقة تعاملك معها هي الأهم. لا تصير فريسة، كن ناقد، متزن، عاقل. خلك مطّلع، بس لا تخلي كل خبر يخطفك من نفسك.
لما الأخبار تختار عنك وش تفكر فيه!
تلاحظ أحيانًا إن كل اللي حولك يتكلمون عن نفس الحدث؟ نفس الهاشتاق، نفس التعليق، نفس الزاوية؟ تحس كأن الإعلام سحبكم كلكم لمنطقة معيّنة من التفكير… هذي مو مصادفة، هذا يُسمّى "تأطير الخبر"، أو Framing في الإعلام.
ببساطة، مو كل خبر يُطرح عشان يقول لك "وش صار"، بعض الأخبار تُطرح عشان تقول لك "وش تفكر فيه" أو "كيف تحس تجاهه". يعني بدل ما يقولك: "صار كذا"، يقولك: "صار كذا... وتخيل المصيبة!"
خلني أضرب لك مثال صغير: في فترة من الفترات، انتشرت أخبار عن خطر بعض الأطعمة. كل المواقع تتكلم، وكل شخص يسوّي مقاطع تحذير. فجأة الناس صاروا يرمون اللي في بيوتهم، ويتناقشون ساعات، ويعطون "لايكات" بدون ما يتحققون من صحة الموضوع. بعد كم أسبوع؟ الخبر يختفي، ولا كأن شيء صار.
المشكلة؟ إن وقتها، كانت فيه مواضيع ثانية أهم، بس ما خذت نفس الضوء. الإعلام اختار لنا إيش نتابع، وإحنا انسقنا بدون ما نحس.
في قصة حصلت لي أنا شخصيًا، تابعت خبر عن منتج إلكتروني معيّن فيه "تسريب بيانات". شُفت التغطية الإعلامية ضخمة جدًا، فتخوّفت وسحبت على المنتج، وكتبت تنبيه في القروب. بعدها بيومين، اكتشفت إن القصة كانت تهويل، والخبر الأصلي متحوّر. والمشكلة؟ أنا خوّفت ناس بدون سبب، وخسرت منتج كنت أحتاجه.
الإعلام مو دايم يتعمد التلاعب، لكن أحيانًا، من غير قصد، يعطي أهمية زايدة لمواضيع على حساب ثانية. وهذا يخليك لازم تنتبه:
- مو كل خبر يتكرر يعني هو الأهم.
- مو كل قضية تُبرز في العناوين معناها إنها تمثل الواقع الكامل.
- المصادر الموثوقة تطرح المعلومة، بس أنت تقرر كيف تفكر فيها.
فيه مثل قديم يقول: "إذا سمعت خبر واحد، سمعت نصف الحقيقة. إذا سمعت الجهتين، بدأت تفهم". خذها قاعدة: لا تخلي الإعلام يكون مصدرك الوحيد للفهم. اقرأ، اسأل، فكر، وحاول توازن بين ما يُعرض، وما يُخفى.
وأحيانًا، مجرد إنك تسأل: "ليش هذا الخبر منتشر؟"، يعطيك وعي أكثر من إنك تحفظ محتواه. خلك دايم متأمل: من نشر؟ كيف صاغه؟ وش هدفه؟ الإعلام مو دايم عدو، لكنه أداة… وذكائك هو اللي يحدد كيف تستخدمه.
آخر نقطة ودي أقولها: لا تتفاعل بسرعة. عط نفسك مهلة، اقرا أكثر من مصدر، لا تسوي "ريتويت" أو "إعادة إرسال" لأي شيء بس لأنه "منتشر". انتبه، لأنك ممكن تكون سبب في نشر فكرة خطأ، أو إشاعة، أو حتى زعزعة بدون ما تقصد.
في النهاية… لا أحد يتحكم في طريقة تفكيرك غيرك. فكر، وازن، وخلك واعي. وخذها نصيحة منّي: الإعلام ذكي، بس وعيك أذكى.
بينك وبين الأخبار... المسافة اللي تحميك
يوم من الأيام، كنت جالس على القهوة، أمسك جوالي، أتنقل بين الأخبار، خبر يجيب هم، والثاني يجيب توتر، والثالث يخليك تقول: "الدنيا وين رايحة؟". رفعت رأسي، شفت الناس اللي جنبي: فيه اللي يضحك مع عياله، وفيه اللي مشغول بكوب قهوته، وفيه اللي جالس بهدوء يطالع الشمس.
وقتها سألت نفسي: هل أنا عايش الواقع؟ ولا عايش شاشة؟ اكتشفت إني أنقل قلقي من الأحداث اللي تصير "بعيد"، إلى حياتي اللي "قريب". والأخطر؟ إن أغلبها ما كان له تأثير مباشر عليّ.
الأخبار ضرورية، أكيد. بس علاقتنا معها لازم تكون متزنة. لا تصير بعيد لدرجة الجهل، ولا قريب لدرجة الاختناق.
تقدر تتابع، وتفهم، وتتكلم، لكن بدون ما تكون ضحية ضغط دائم. الأخبار وُجدت لتفيدك، مو تستهلكك.
أحد قرايبي كان مدمن أخبار، يوميًا يبدأ يومه بتقليب كل تطبيق وقناة. كنت أقول له: "خلك حريص، بس لا تنسى نفسك"، كان يضحك ويقول: "اللي ما يعرف، يُصدم". بعد كم سنة، بدأت تظهر عليه علامات القلق والتعب، صار يربط كل شيء حواليه بالخطر، حتى لما نطلّع للبر، يفكر في أسعار الوقود وتقلبات السوق العالمي.
وبعد تعب نفسي، قرر يسوي "دايت إعلامي"، حذف بعض التطبيقات، قلّل من متابعة القنوات، وصار يتابع من مصدر واحد بس، يومياً، ربع ساعة. اليوم؟ نفسيته أفضل، تركيزه في بيته وشغله، وصار يستوعب الأخبار بشكل أذكى.
الرسالة اللي ودي أوصلها لك هنا: أنت مو مجبر تعرف كل شيء، لكنك مسؤول عن نفسك. اسأل دايم: هذا الخبر يخدمني؟ يعلّمني؟ يوسع أفقي؟ ولا بس قاعد يستنزف وقتي وطاقتي؟
العالم مليان أحداث. لكن يومك، وحياتك، وأهلك، ونفسيتك… هم أهم بكثير من ترند يختفي بعد كم ساعة.
في الطائف، دايم نسمع عبارة أهلنا الكبار: "خلّي بينك وبين الدنيا ستر"، واليوم، أقولها بشكل جديد: "خلّ بينك وبين الأخبار ستر… تحمي فيه بالك، وتحفظ فيه قلبك".
تابع، افهم، شارك… بس لا تخسر نفسك.